إعدام الأسرى… وجه الفاشية العاري

بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
يدخل مشروع قانون يقضي بفرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين مرحلة هي الأخطر في مسار القمع داخل سجون الاحتلال.
فقرار لجنة الأمن القومي في الكنيست تمرير هذا المشروع نحو القراءة الأولى ليس خطوة تشريعية عادية، بل تحوّل خطير في وظيفة القانون ذاته، إذ يتحول من أداة للعدالة إلى غطاء للقتل الممنهج باسم «الأمن».
الاحتلال يبرر المشروع بأنه وسيلة لردع «الإرهاب» وحماية مواطنيه، لكنه في جوهره يستهدف الفلسطينيين وحدهم بمعايير فضفاضة وغامضة، كـ«نية الإضرار بالدولة» أو «الدافع القومي»، ما يجعله قانونًا عنصريًا بامتياز، يُسقط أي مظهر للحياد القضائي.
إنه تشريع يقوم على الهوية لا على الفعل، وعلى الانتماء لا على الجريمة، وهو ما يحول المحاكمة إلى مسرح سياسي لشرعنة الإعدام لا لتحقيق العدالة.
خلف هذا المشروع يقف واقع سجنيّ فاشيّ توثّقه منظمات دولية منذ سنوات: اعتقالات بلا تهم، عزلٌ انفرادي طويل، حرمان من الرعاية الطبية، وتعذيب ممنهج جسديًّا ونفسيًّا.
في مثل هذا الواقع، يصبح أي حكم بالإعدام استمرارًا لجريمة سابقة لا محاكمة عادلة.
فكيف يمكن أن يُنفَّذ حكم بالموت في نظامٍ يُصادر أبسط ضمانات الدفاع ويمنع المراقبة المستقلة للسجون والمحاكم؟
من منظور القانون الدولي الإنساني، يُعدّ هذا المشروع انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف التي تضمن الحماية للأسرى والمعتقلين، وتحظر التمييز في المعاملة.
كما أن محاكمة الأسرى في محاكم الاحتلال داخل أراضيه، ونقلهم من الأراضي المحتلة، يشكّل خرقًا واضحًا لتلك الاتفاقيات، ويعرض القائمين على هذا التشريع للمساءلة الدولية، إن وُجدت إرادة حقيقية لتفعيلها.
إن خطورة المشروع لا تتوقف عند حدوده القانونية، بل تتعداها إلى آثاره السياسية والإنسانية.
فهو يجهز على أي أمل في تسوية أو تبادل للأسرى، ويفتح الباب أمام منطق الثأر والانتقام، ويكرّس عقلية الفاشية التي تتغذى على الدم والإنكار.
دولة تشرّع القتل لمن يقاوم احتلالها تفقد ما تبقّى من شرعيتها الأخلاقية والسياسية، وتتحول إلى كيان مارق على القيم الإنسانية.
المجتمع الدولي مطالب اليوم بأكثر من بيانات القلق. عليه أن يتحرك فعليًا لمنع تمرير هذا القانون، ومحاسبة من يروّج له ويدعمه. فالدفاع عن الأسرى الفلسطينيين ليس قضية وطنية فحسب، بل قضية إنسانية تمسّ جوهر العدالة الدولية، وكرامة الإنسان أينما كان.
إن مشروع «إعدام الأسرى» يكشف وجه الفاشية الإسرائيلي العاري، ويضع العالم أمام امتحان ضميره: إما الصمت الذي يعني التواطؤ، أو الموقف الأخلاقي الذي يواجه الجريمة قبل أن تتحول إلى قانون.


د. عبدالرحيم جاموس
الرياض 4/11/2025 م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com