أهالي مخيم نور شمس بين التهـجير القسري واستراتيجية الاحتلال: قراءة قانونية واستراتيجية.. بقلم/ المحامي علي أبو حبلة

تتصاعد التوترات في مخيم نور شمس الفلسطيني، حيث تقدّم الأهالي صباح اليوم نحو الثكنة العسـكرية، مطالبين بإنهاء حالة النـزوح القسري والعودة إلى منازلهم داخل المخيم، بعد أشهر طويلة من التهجير والمعاناة اليومية. هذه الخطوة ليست مجرد احتجاج شعبي، بل تعبير صريح عن أزمة مركبة تمس الأمن الداخلي الفلسطيني، السياسة المحلية، واستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي، مع خروقات واضحة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
الأمن الداخلي والسياسة المحلية تحت الضغط
التحرك الجماهيري في المخيم يكشف هشاشة آليات إدارة الأزمة على المستوى المحلي، ويضع السلطة الفلسطينية أمام تحدٍ مزدوج: حماية الأمن والاستقرار دون الدخول في مواجهة مباشرة مع المواطنين، مع احترام حقوقهم المشروعة. استمرار التهجير القسري يعمّق الشعور بالإحباط واليأس، ويزيد من احتمال اندلاع صراعات داخلية، ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن الاجتماعي والسياسي داخل المخيمات والمجتمع الفلسطيني بشكل عام.
استراتيجية الاحتلال: تهجير مستمر وفرض السيطرة
التهجير القسري لأهالي مخيم نور شمس يعكس استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى إعادة رسم الواقع الديموغرافي والسياسي في مناطق فلسطينية محددة. هذه السياسة لا تقتصر على الضغط المعيشي، بل تشمل محاولات لإضعاف صمود المجتمع الفلسطيني، تفتيت الروابط الاجتماعية، وزيادة التبعية الاقتصادية والسياسية، بما يخدم أهداف الاحتلال الطويلة المدى في السيطرة والتوسع، وتقويض أي شكل من أشكال التنظيم أو المقاومة الشعبية.
الانتهاكات القانونية والحقوقية
من الناحية القانونية، يمثل التهجير القسري انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين، ويعد عقوبة جماعية محرّمة. كما ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في العودة إلى منزله وممتلكاته دون تهديد أو ترهيب، والعيش في بيئة آمنة وكريمة. استمرار الاحتلال في هذه الممارسات يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية في حماية المدنيين الفلسطينيين ومحاسبة الجهات المسؤولة عن الانتهاكات.
الأبعاد الإنسانية والاجتماعية
أزمة المخيم لا تقتصر على البعد الأمني أو القانوني، بل تشمل معاناة يومية للسكان، من فقدان الخدمات الأساسية إلى نقص الرعاية الصحية وانقطاع التعليم، وغياب فرص العمل. التهجير القسري يزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي، ويهدد الأمن الغذائي، ويؤدي إلى تفكك الروابط المجتمعية، ما يترك آثاراً طويلة المدى على المجتمع الفلسطيني في المخيمات.
خلاصة وتوصيات استراتيجية
أزمة مخيم نور شمس نموذج متكامل للتحديات التي تواجه الفلسطينيين، ويبرز الحاجة الملحة لتحرك دولي ومحلي متوازن. ومن هنا تأتي التوصيات الاستراتيجية:
- الضغط الدولي الفوري لوقف التهجير القسري وضمان عودة الأهالي إلى منازلهم بأمان.
- تعزيز قدرة السلطات الفلسطينية على حماية المدنيين مع مطالبة المجتمع الدولي ضرورة تطبيق معايير حقوق الإنسان.
- توثيق الانتهاكات القانونية ورفع قضايا أمام المحافل الدولية المختصة.
- تقديم الدعم الإنساني والخدمات الأساسية الدولية للمخيمات لتخفيف حدة المعاناة اليومية.
أهالي مخيم نور شمس يرسلون رسالة واضحة: لا يمكن استمرار سياسة التهجير القسري دون تبعات داخلية وخارجية، ويجب أن يكون المجتمع الدولي شريكاً فاعلاً في ضمان حقوقهم وحمايتهم من الانتهاكات المستمرة، لأن حماية المدنيين واستعادة حقوقهم ليس خياراً، بل واجباً قانونياً وإنسانياً.



