🕊 قراءة أدبية في نص “من يحتضنُ الغياب…؟” للدكتور عبدالرحيم جاموس

بقلم/ د. عادل جوده/ العراق/ كركوك
🌻يطلّ علينا الدكتور عبدالرحيم جاموس بنصّه الشعريّ المتدفق كالنهر الحزين، يحمل في طياته جرحًا فلسطينيًا نازفًا، وصوتًا إنسانيًا يعلو فوق صخب العالم وزيف خطاباته. يأتي النصّ كأنه نشيدٌ جنائزيٌّ مغروزٌ في خاصرة الزمن، يحوّل السؤال البلاغي إلى صرخة وجودية تبحث عن إجابة في قفار العالم المعاصر.
🎗بنية النصّ وتقنية الاستفهام:
يُبنى النصّ على سلسلة من الأسئلة البلاغية التي تتصاعد كموجات متلاحقة، تبدأ من العنوان الاستفهامي “من يحتضنُ الغياب…؟” الذي يضع القارئ في قلب المأساة منذ اللحظة الأولى. والسؤال هنا ليس سؤالًا طالبًا للإجابة، بل هو اتهامٌ موجهٌ للضمير العالمي، وصيغةٌ تعبيرية عن العجز الإنساني تجاه مشهد الألم المتواصل.
✨المفارقة المأساوية:
يُبرز الشاعر مفارقة مؤلمة بين ما يُحتفى به عالميًا وبين الواقع الفلسطيني المرير، فيقول: “في اليومِ العالميِّ لاحتضانِ الأسر… تسألُ فلسطينُ بصوتٍ مبحوحٍ من الدمع”. إنها مفارقة بين احتفاء العالم بالدفء الأسري وبين أسر الشهداء الذين فقدوا كل دفء إلا دفء الذكرى. وتتجلى المفارقة الأكثر قسوة في تحويل “الحُضن” إلى “قبر”، و”البيت” إلى “ظل من رماد”، حيث تتحول المفاهيم الجميلة إلى نقيضها في سياق المأساة.
💫 الرمز والدلالة:
يستخدم الشاعر رموزًا عميقة الدلالة، فـ”الغياب” ليس مجرد غياب جسدي، بل هو غياب الأمان، غياب العدل، غياب الاستجابة. و”الخيام الباردة” ترمز إلى اللاوطن، إلى التشرد، إلى انعدام الدفء المادي والمعنوي. أما “الليل بلا نوافذ” فهو صورة قاسية للاغتراب واليأس وانعدام الأمل.
💦الصور الشعرية المؤثرة:
يقدم النصّ صورًا شعرية تخلق من الألم فنًا، ومن الحزن جمالاً:
· “أمٌّ تُقبّلُ صورةَ ابنها، تغنّي له كي لا يبردَ في التراب”: صورة تخلط بين الحب الأمومي والموت، بين العاطفة والحنين.
· “طفلةٌ تزرعُ في الليلِ قنديلاً … كي تهتدي إليهِ الطيور”: استعارة رائعة تظهر براءة الطفولة في مواجهة القسوة، وتحوّل اليأس إلى أمل.
· “وكلُّ يتيمٍ فيها وطن”: مقولة وجودية تختزل فكرة الوطن في الإنسان نفسه، فالإنسان هو الوطن عندما يغيب الوطن.
🖋اللغة والإيقاع:
تتميز لغة النصّ بالفصاحة والجزالة، مع استخدام المفردات الموحية التي تحمل شحنة عاطفية عالية.



