ارض الميلاد تنزف دما ونتمنى من الكنائس المسيحية في عالمنا ان ترفع صوتها عاليا منادية بوقف هذه المظالم

العالم المسيحي يستعد لاستقبال الأعياد الميلادية المجيدة وقداسة البابا سوف يزور لبنان والقسطنطينية ولذلك فإننا ومن ارض الميلاد والتجسد والفداء انما نناشد وننادي كافة الرئاسات الدينية المسيحية ومن كل الكنائس بضرورة ان تلتفت الى نزيف فلسطين ومعاناة ابناءها وخاصة الجرائم المروعة التي ترتكب في غزة بحق أهلنا هناك.
نداءنا الذي نوجهه لقداسة البابا وللبطريرك المسكوني ولكافة البطاركة والمرجعيات الروحية المسيحية بضرورة ان يتذكروا بأن فلسطين هي ارض الميلاد ، ففي كل ارجاء العالم تنتشر الزينات ومغارة الميلاد التقليدية كما والهدايا التي توزع على الأطفال بمناسبة هذا العيد المجيد .
تذكروا ان المغارة الحقيقية هي في بيت لحم والنور الحقيقي بزغ من مغارة بيت لحم ، واذا ما كانت هنالك تباينات في الأمور الايمانية واختلاف في وجهات النظر في أمور كنسية فنحن نتمنى ان توحدكم فلسطين وبيت لحم وان تكون حاضرة في صلواتكم وادعيتكم وفي خطاباتكم التي نتمنى ان تنادي بأن تتحقق العدالة في هذه الأرض المقدسة والمباركة .
ان الكنائس في مشارق الأرض ومغاربها مطالبة اليوم اكثر من أي وقت مضى بان تلتفت الى فلسطين ومعاناة ابناءها فهذا شأن لا يجوز اختزاله على انه شأن سياسي فحسب بل هو شأن انساني وشأن مسيحي فعندما تدافعون عن فلسطين وشعبها المظلوم انتم تدافعون عن اعرق واقدم وجود مسيحي في هذا العالم كما وتدافعون عن ارض الميلاد في زمن الميلاد كما وتدافعون أيضا عن انبل واعدل قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث .
ان الذباب الالكتروني المنتشر وبكثافة هذه الأيام تزعجه اية كلمة صادرة عن رجل دين مسيحي حول عدالة القضية الفلسطينية ، فتارة يتهموننا بأننا نتدخل في الشأن السياسي وتارة أخرى يقولون لا وجود لفلسطين التي تدافعون عنها ، وما اكثر الأصوات النشاز التي نسمعها هنا وهناك .
يحق لكل انسان ان يعبر عن رأيه وبطريقة حضارية إنسانية ، أما لغة الشتائم واثارة النعرات الطائفية فهي مرفوضة ولن نسمح بأي شكل من الاشكال ان يستغل احد صفحاتنا من اجل بث سمومه التي تمثله هو فقط ولا تمثل الجماعة المسيحية على الاطلاق .
المسيحي الحقيقي يعرف جيدا ان مسألة الدفاع عن الانسان المظلوم والمعذب والمتألم انما هي ليست شأنا سياسيا وليست شأنا لا يعنينا بل هي في صلب ادبياتنا وثقافتنا ومبادئنا المسيحية .
لا يمكن للمسيحي الحقيقي ان يتجاهل معاناة أي انسان في هذا العالم أيا كان دينه او عرقه او خلفيته الثقافية وفي المقدمة منها شعبنا الفلسطيني الذي يعاني وما زال يعاني ومنذ سنوات طويلة من الممارسات الظالمة التي تستهدفه والتي وصلت ذروتها من خلال حرب الإبادة التي استمرت لعامين في غزة ولكنها ما زالت مستمرة ومتواصلة حتى هذه الساعة .
المسيحي الحقيقي لا يكون صامتا امام المظالم التي يتعرض لها الانسان ولا يكون غير مبال امام امتهان كرامة الانسان وحريته ، فحيثما هنالك ألم وحزن وشدة انحيازنا يجب ان يكون للإنسان والذي هو خليقة الله ويجب ان يتمتع بالحرية والامن والأمان والسلام.
أقول للمسيحيين في كل مكان بأنكم لا تقحمون انفسكم في شأن سياسي عندما تدافعون عن الشعب الفلسطيني المظلوم فهذا واجبنا وهذه هي رسالتنا وهي ان نقول كلمة الحق حتى وان ازعجت بعضا من سياسيي هذا العالم الذين اجندتهم هي اجندة المصالح وليست اجندة المبادئ والأخلاق السامية .
من ينكرون وجود فلسطين ويعتبرون هذا شأنا سياسيا أقول لهم اقرأوا التاريخ لكي تكتشفوا بأن فلسطين كانت موجودة وستبقى ولا يحق لاحد ان يشطب تاريخ هذه الأرض وحق شعبها في ان يعيش بحرية وكرامة وسلام .
الأصوات النشاز التي نسمعها هنا وهناك وهي تدعي الانتماء للمسيحية ولكنهم يغضون الطرف عن انبل واعدل قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث الا وهي قضية الشعب الفلسطيني .
ندعو من اجل هؤلاء لكي ينير الرب الاله عقولهم وبصرهم وبصيرتهم فيروا الحقيقة والا يكونوا أدوات تستعمل من اجل مشاريع مشبوهة لا تخدم الإنسانية ولا تخدم القيم المسيحية على الاطلاق .
هنالك اتساع في رقعة التضامن العالمي مع شعبنا ، وكثير من الكنائس العالمية بات صوتها اكثر وضوحا وجرأة ووثيقة الكايروس الفلسطينية الأولى والثانية كان لها دور مهم في إيصال صوت المسيحيين الفلسطينيين الى كل الكنائس في عالمنا.
ندرك جيدا ان من يدافع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المظلوم لن يرى امامه طرقا مفروشة بالزهور ، لا بل قد يتعرض للاساءات والتحريض والتشويه وأولئك الذين يقومون بهذه المهام القذرة يظنون ان اساليبهم سوف تجعلنا نتراجع ونخاف .
لن نتراجع ولن نخاف امام أي تحريض او اساءات أيا كان شكلها وايا كان لونها ، وسيبقى لسان حالنا الحرية لفلسطين ولشعبها ونعم للسلام الحقيقي الذي يبنى على العدالة وعلى صون حرية وكرامة الانسان الفلسطيني .
يا أيها المسيحيون في كل مكان في مشارق الأرض ومغاربها وانتم تحتفلون بالميلاد صلوا من اجل ارض الميلاد التي تنزف دما وصلوا من اجل شعبها المظلوم وارفعوا صوتكم عاليا دون تلعثم او تردد لكي يتحقق السلام المنشود في هذه الديار، السلام الحقيقي وليس السلام المزيف ، السلام الذي يحقق طموحات وتطلعات شعبنا الذي يحق له ان يعيش بسلام وامن وامان بعد هذا الكم الهائل من المعاناة والاحزان.
فليكن عيد الميلاد صلاة ودعاء من اجل ارض الميلاد ومناداة بأن تتحقق العدالة المغيبة في ارض الميلاد وفي ارض السلام والمحبة والتي هي بعيدة عن السلام والمحبة في ظل ما يمارس بحق ابناءها وشعبها المنكوب والمظلوم .
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 26/11/2025



