معاناة الأسرى الفلسطينيين.. انتهاك منهجي للقوانين الدولية والإنسانية، وترتقي إلى جرائم حرب ..!

بقلم: د. عبدالرحيم جاموس
تُشكل قضية الأسرى والسجناء الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية إحدى أبرز مظاهر الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
فبعد أكثر من خمسة عقود من الاحتلال، لا تزال هذه القضية تُمثّل جرحاً نازفاً في الضمير الإنساني، حيث يتعرض آلاف الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال ونساء وكبار السن، لممارسات قاسية تنتهك أبسط المعايير الدولية والإنسانية، وترتقي إلى جرائم حرب .
سياسة الاعتقال المنهجية :
تقوم السلطات الإسرائيلية باعتقال الفلسطينيين ضمن سياسة ممنهجة، حيث تشير إحصاءات مؤسسات حقوقية فلسطينية إلى اعتقال أكثر من مليون فلسطيني منذ عام 1967. وتتم هذه الاعتقالات غالباً في غياب ضمانات المحاكمة العادلة، حيث يُحتجز المعتقلون لفترات طويلة دون تهم محددة أو محاكمة، تحت مسمى “الاعتقال الإداري” الذي يُجدّد بشكل متكرر.
ممارسات التعذيب والاعتداء الجسدي :
تشهد تقارير المنظمات الدولية والمحلية بشكل مستمر على ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي ضد الأسرى الفلسطينيين، وتتضمن هذه الممارسات الضرب المبرح، والحرمان من النوم، والوضعيات المؤلمة لفترات طويلة، والعزل الانفرادي لشهور أو سنوات، والاعتداءات خلال عمليات التفتيش المهينة.
وقد اعترف تقرير “لجنة تركمان” الإسرائيلية الرسمية عام 1987 باستخدام أساليب “ضغط جسدي” ضد المعتقلين، وهو ما يرقى إلى التعذيب بحسب تعريفات القانون الدولي.
الجوع كأداة للتعذيب والعقاب الجماعي :
يُستخدم الحرمان من الغذاء الكافي والمغذّي، وتقديم أغذية رديئة النوعية، كأداة قسرية منهجية، وتشهد سجون عديدة مثل “عوفر” و”النقب” و”رامون” على سياسة تقليص السعرات الحرارية اليومية عن الحد الأدنى المطلوب صحياً، مما يؤدي إلى أمراض سوء التغذية وفقر الدم ونقص الفيتامينات. كما تحوّلت إضرابات الأسرى عن الطعام، التي يلجأون إليها كوسيلة احتجاج أخيرة، إلى معارك إرادية ضد آلة قمع تستخدم التغذية القسرية أحياناً، وهي ممارسة تُعتبر شكلاً من أشكال التعذيب بحسب جمعية الطب العالمية وإعلان طوكيو.
هذا التحكّم المتعمد في الغذاء ليس إهمالاً، بل هو أداة عقاب وإذلال تهدف إلى كسر الإرادة الجمعية والفردية للأسرى.
الانتهاكات الطبية الممنهجة :
توثق تقارير مؤسسات مثل “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” و”الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال” حالات عديدة لإهمال طبي متعمد، وحرمان الأسرى من العلاج المناسب، وتأخير الرعاية الطبية العاجلة، مما أدى إلى تدهور حالات صحية عديدة ووفيات كان يمكن منعها.
كما يُمنع العديد من الأسرى من زيارة أطباء مختصين، وتُفرض قيود على دخول الأدوية.
انتهاكات خاصة بالنساء والأطفال:
تُعتقل النساء الفلسطينيات ويتعرضن لانتهاكات إضافية، منها التفتيش المهين والتحرش اللفظي والتهديد الجنسي.
أما الأطفال، فيشهدون تجربة قاسية تتمثل في الاعتقال الليلي والعنيف، والمحاكمات العسكرية، والاحتجاز في ظروف لا تراعي خصوصياتهم العمرية، مما يترك آثاراً نفسية عميقة.
الإذلال والظروف الحياتية المهينة :
يعيش الأسرى في ظروف احتجاز قاسية تشمل الاكتظاظ، ورداءة الطعام، وعدم كفاية التدفئة والتهوية، والحرمان من التعليم والاتصال المنتظم بأسرهم.
وتُستخدم عقوبات جماعية كالحرمان من الزيارات العائلية كأداة للضغط والعقاب الجماعي.
مخالفة صريحة للقانون الدولي :
تنتهك هذه الممارسات بشكل واضح اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب (المادة 27، 32، 147)، واتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تخالف المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، التي تنص صراحة على توفير غذاء كافٍ من الناحية الغذائية والقيمة.
تقاعس المجتمع الدولي :
على الرغم من توثيق هذه الانتهاكات من قبل منظمات دولية مرموقة مثل “هيومن رايتس ووتش”، و”منظمة العفو الدولية”، و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، إلا أن المجتمع الدولي يقف عاجزاً عن فرض آليات فعالة للمحاسبة وإنهاء هذه المعاناة ، التي تعتبر جرائم حرب يجب محاسبة المسؤولين عنها ، خاصة وانها باتت تمارس بتعليمات من مستويات أساسية حكومية ووزارية من امثال وزير الأمن الإسرائيلي بن غافير .
خلاصة القول :
إن قضية الأسرى الفلسطينيين ليست مجرد قضية سياسية عابرة ، بل هي قضية إنسانية وأخلاقية وقانونية بامتياز ، يجب وضع حدٍ لها ، وانقاذ حياة آلاف الأسرى والعمل على إطلاق سراحهم .
فالمعاناة اليومية التي يعيشها آلاف البشر خلف القضبان، من تعذيب جسدي ونفسي، ومن حرمان من أبسط حقوقهم في غذاء كافٍ وعلاج لائق، تمثل تحدياً صارخاً للقواعد القانونية المنظمة لوضع الأسرى زمن الحرب ، و القانون الدولي الإنساني و للضمير الإنساني وللمنظومة الدولية لحقوق الإنسان.
لذا يتطلب الوضع تحركاً جاداً من المجتمع الدولي لفرض احترام القانون الدولي، وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، والعمل الجاد نحو إطلاق سراح جميع الأسرى الذين احتجزوا خارج الأطر القانونية الدولية.
فكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، بما فيها الحق في الغذاء الكافي والعلاج، ليست مساومة سياسية، بل هي خط أحمر لا يجوز تجاوزه تحت أي ذريعة.
د. عبدالرحيم جاموس
رئيس المجلس الإداري للإتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين.
الرياض
20/12/2026



