حقّن الدماء وسيادة القانون.. بقلم: المحامي علي أبو حبلة

تمرّ مدينة الخليل، كما غيرها من مدن الوطن، بمرحلة خطيرة تتصاعد فيها الصراعات العائلية وأعمال القتل والثأر، في مشهد يدمي القلب ويهدد وحدة المجتمع وتماسك نسيجه الاجتماعي. إن سفك الدم الفلسطيني خارج إطار القانون ليس شأنًا عائليًا خاصًا ولا حدثًا عابرًا، بل جريمة كبرى تمسّ حقّ الحياة، وتضرب أسس السلم الأهلي، وتُضعف البنيان الوطني من داخله.

دينيًا، فإن حرمة الدم من أعظم الحرمات، وقد جعل الله قتل النفس بغير حق كقتل الناس جميعًا. فلا شرف في دمٍ يُراق، ولا عدالة في ثأرٍ يفتح أبوابًا جديدة للقتل، ولا رجولة في سلاح يُستخدم ضد أبناء المجتمع الواحد. إن الثأر ليس حلًا، بل هو تكريس لمنطق الغاب، وانحراف خطير عن القيم الدينية التي قامت على حفظ النفس، وحقّ الحياة، وصيانة المجتمع من الفوضى.

وطنيًا، فإن كل قطرة دم فلسطيني تُهدر في صراع داخلي هي خسارة للوطن، واستنزاف لقوته، وطعنة في وحدته. فمجتمع ينشغل بصراعاته العائلية ويغرق في دوائر الانتقام، يصبح أضعف في مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد وجوده، وفي مقدمتها الاحتلال ومخططاته. إن تمزيق الجبهة الداخلية هو أخطر ما يمكن أن يصيب أي شعب يسعى للحرية والاستقلال.

قانونيًا، لا قيام لمجتمع ولا استقرار دون سيادة القانون. حين يُستبدل القضاء بمنطق القوة، وتُقدَّم العصبية العائلية على العدالة، يتحول المجتمع إلى ساحة تصفية حسابات، وتضيع حقوق الأبرياء، ويُشرَّع القتل تحت ذرائع واهية. إن التستر على الجناة أو تبرير جرائمهم، أيًا كانت الدوافع، هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة، وتقويض لهيبة القانون، وفتح الباب واسعًا لتكرار المأساة.

سياسيًا واستراتيجيًا، لا يمكن عزل ظاهرة القتل والثأر عن السياق العام الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. فالفوضى الداخلية، وانتشار السلاح غير المنضبط، وتفكك النسيج الاجتماعي، كلها عوامل تخدم مشاريع تستهدف إضعاف المجتمع الفلسطيني من الداخل، وإشغاله بنفسه، وتحويل الصراع عن أولويته الحقيقية. إن ضرب سيادة القانون هو المدخل الأخطر لإضعاف أي مشروع وطني.

إن مسؤولية وقف نزيف الدم مسؤولية جماعية لا تحتمل التهرب. فالسلطة مطالبة بفرض سيادة القانون دون تردد أو انتقائية، وحماية حقّ الحياة، ومحاسبة كل من يعتدي على الدم الفلسطيني. والعائلات والحمائل مطالبة برفض منطق الثأر، وتسليم الجناة للعدالة، وتحكيم العقل بدل السلاح. ورجال الدين والنخب الفكرية والإعلامية مطالبون برفع صوت الحق، وتجريم القتل بوضوح، ونبذ خطاب التحريض والكراهية.

ختامًا،

كفى دمًا فلسطينيًا يُهدر بأيدٍ فلسطينية، وكفى صمتًا على جريمة تهدد المجتمع ومستقبله. إن حقّ الدماء خط أحمر، وسيادة القانون ليست خيارًا بل ضرورة وجودية. لا للقتل، لا للثأر، لا للسلاح المنفلت، نعم للحياة، نعم للوحدة، نعم لسيادة القانون. فلننهض جميعًا لحماية مجتمعنا قبل أن يستفحل النزيف، ولنجعل من القانون والعدل والوحدة درعًا يحمي أبناءنا، ويصون نسيجنا الاجتماعي، ويحفظ بوصلتنا الوطنية نحو الحرية والكرامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com