نبض الحياة.. روبيو يشيع خطة رئيسه.. عمر حلمي الغول

كلما اعتقد المرء، أن خطة الرئيس دونالد ترمب تقدمت خطوة، واستبشر الناس بالتفاؤل قليلا، لكن بعدما يسمع تصريحا لمسؤول أميركي ارتد تفاؤله عشرات الخطوات للخلف، وبات الاعتقاد أن العبث والموت مصير الخطة. ومن سمع تصريح وزير خارجية الإدارة الأميركية، ماركو روبيو، الذي أدلى به يوم السبت 20 كانون اول / ديسمبر الحالي، وقال فيه: “إن الانتقال من المرحلة الأولى الى إعادة الاعمار الكامل وتحقيق الاستقرار قد يستغرق سنوات،” يشعر ان هناك متاهة أميركية جديدة، وتبديد للمصالح السياسية والقانونية الفلسطينية. وهنا يطرح السؤال الكبير الذي تركته هذه الجزئية من تصريح الوزير، لماذا لم يشر مباشرة للربط بين المرحلة الأولى والشروع بالمرحلة الثانية؟ التي كان يفترض ان تبدأ وفق خطة الرئيس الأميركي بعد الأسبوع الأول، وتسليم الدفعة الأولى من الاسرى الإسرائيليين الاحياء، وليس حتى تسليم آخر رفات رهينة؟ ولماذا لم يحددالاستقرار في قطاع غزة بعدد سنوات الخطة؟ ولماذا لم يشمل تصريحه أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة بشكل كامل الضفة الغربية بما فيها عاصمتها القدس الشرقية؟ وهل مثل هذا التصريح يمنح الخطة رصيدا إيجابيا، أم العكس؟ وما الذي لا يسمح لواشنطن البدء بتنفيذ الخطة بشكل متكامل ومتواز؟ وهل الولايات المتحدة الأميركية جادة ومعنية ببناء جسور السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، أم أن الخطة لا تعدو أكثر من ملهاة سوداء تهدف لتأبيد الاستعمار الإسرائيلي، أو استبداله باستعمار أميركي، وتصفية المشروع الوطني وتبديد الكيانية الفلسطينية؟
ولتعميق الحالة الضبابية حول الخطة، قال روبيو أن السعي لتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة من اتفاق غزة سيستغرق فترة طويلة تتجاوز ثلاث سنوات. وهنا نلحظ ان واشنطن استحضرت مقولة القادة الإسرائيليين “لا تواريخ مقدسة”، فالخطة وقرار 2803 الاممي أكدا على انتهاء المراحل المختلفة خلال سنتين، أي في نهاية 2027، لماذا تم وضع فرضية استغراقها 3 سنوات، وقد يكون التاريخ أطول وأبعد، في ظل المماطلة والتسويف الإسرائيلي، والتواطؤ الأميركي معها؟ وتابع وزير الدبلوماسية الأميركية في مؤتمره الصحفي في واشنطن، أنه من المهم استكمال المرحلة الأولى من اتفاق وقف الحرب في غزة والوصول الى المرحلة الثانية. ونعود لجادة السؤال، من الذي يعطل دخول المرحلة الثانية؟ اليست إسرائيل وحركة حماس؟ ومن الذي سمح لإسرائيل ان تقسم القطاع وتفرض وجودها على 57% حتى الان، وتواصل تجاوزاتها وابادتها على الشعب الفلسطيني؟ ولماذا سمح الرئيس ترمب ووزير الخارجية لحركة حماس بالسيطرة الأمنية على ال47% من القطاع؟ ولماذا التذاكي الزائد من قبل اركان الإدارة والتذرع بأحجية سحب سلاح حماس وخروجها من المشهد السياسي؟ ألا يوجد لديكم اهم ورقة مؤثرة ومؤهلة لسحب السلاح، وهي حلفاء حماس: تركيا وقطر؟ ولماذا الالتفاف على الحقائق الماثلة للعيان؟
وإذا كان صحيحا كما جاء على لسان روبيو أن الإدارة في “عجلة من امرها لإنهاء هذه المرحلة من الاتفاق حتى تتدفق المساعدات وننتقل الى إعادة الاعمار.” لماذا المشاركة مع إسرائيل وحركة حماس في استمراء سياسة التسويف والمماطلة وعدم إلزام الطرفين باستحقاقات المرحلة الأولى والخروج من نفق متاهتها؟
وكي يفتح رئيس الدبلوماسية الأميركية أمام إدارته الافق للبقاء أطول فترة في القطاع، طرح ملف إعادة بنا غزة وبنيتها التحتية واقتصادها، وهو ما أشار له بالقول ” وأن الانتقال من المرحلة الأولى الى إعادة الإعمار الكامل وتحقيق الاستقرار قد يستغرق سنوات”. وهذا العنوان يرتبط بما تناقلته المنابر الإعلامية الأميركية عن “بناء مدينة تكنولوجية في رفح تتسع لنصف مليون ساكن، وبتكلفة 112 مليار دولار أميركي، أي أن الإدارة تريد الاستيطان في القطاع، وعلى حساب المشروع الوطني، وعدم عودة القطاع نهائيا للشرعية الوطنية تحت راية منظمة التحرير والدولة والحكومة، وهو جزء اصيل من الدولة الفلسطينية المحتلة، كيف يستقيم ذلك، إن كان ترمب يريد صناعة السلام؟ وحتى تكونالصورة واضحة لروبيو لا يمكن الفصل بين القطاع والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية. وبالتالي لا يمكن للقيادة الفلسطينية ولا للأشقاء العرب والدول الداعمة لاستقلال الدولة الفلسطينية، أو ما يسمى بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، أن يقبلوا استبدال الاستعمار الإسرائيلي بالاستعمار الأميركي، مهما كان الشكل الذي ستعتمده الإدارة الأميركية.
كما ان مهمة مجلس السلام الدولي واللجان المنبثقة عنه بما في ذلك لجنة التكنوقراط الفلسطينية المؤقتة، لا تتجاوز الحدود التي تضمنتها الخطة والقرار الاممي 2803، أي نهاية 2027.
إذا حدود صلاحياتهم واضحة، هو تنظيم الأمور في القطاع، وتامين الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وعودة المنظمة والدولة الفلسطينية لتولي مهامها الأساسية القانونية والسياسية، وفتح الأفق أمام إعادة تأهيل الحياة للمواطنين الفلسطينيين، والشروع بإعادة الاعمار والذهاب للحل السياسي المعتمد دوليا، والمدعوم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة. بتعبير ادق، إذا شاءت واشنطن الاستثمار عليها التنسيق مع الحكومة الفلسطينية صاحبة الولاية، وبالضرورة سترحب بالاستثمار، لكن وفق المعايير والأنظمة الفلسطينية، لا أن تقرر لوحدها، ووفق مشيئتها وخيارها الاستعماري المرفوض فلسطينيا وعربيا ودوليا.
الواضح ان الوزير الأميركي ورئيسه وادارته يمهدون الطريق لتشييع الخطة والقرار على بشاعتهما ومخاطرهما، لما هو أخطر واشد فتكا بالمصالح الوطنية الفلسطينية، الامر الذي يتطلب التعامل مع الاطروحات الأميركية بحكمة ولكن بشجاعة ووضوح لا من تحت الطاولة.
Oalghoul@gmail.com
a.a.alrgman@gmail.com



