كيري يحقق هدنة سياسية لعدة شهور.. المفاوضات في واشنطن تمهيدية ونجاحها موضع شك كبير

 
أسباب قبول الرئيس عباس ونتنياهو باجراء المفاوضات في واشنطن
 
الرئيس عباس يضع على عاتقه مسؤولية قراره
واعداً بعرض أي اتفاق على استفتاء شعبي
 
بعد ست جولات من المفاوضات والزيارات لمنطقة الشرق الأوسط، أعلن وزير خارجية اميركا، جون كيري، ومن العاصمة الاردنية عمان مساء يوم الجمعة الموافق 19 تموز 2013 عن انطلاق عملية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وان وفدا فلسطينيا برئاسة الدكتور صائب عريقات، ووفدا آخر اسرائيليا برئاسة تسيبي ليفني، وزيرة العدل، رئيسة طاقم المفاوضات الاسرائيلي، ومستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحاق مولخو سيتوجهان "الاسبوع القادم" الى العاصمة الاميركية واشنطن، لبدء اجراء مفاوضات تمهيدية للعودة الى طاولة المفاوضات، أي أن كيري نجح في اقناع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي باجراء مفاوضات تمهيدية أو تقريبية في خطوة أولى لتهيئة اجواء مناسبة للمفاوضات، أي أن كيري استطاع نقل الاتصالات والمشاورات والوساطة الاميركية بين الطرفين الى العاصمة الاميركية بدلاً من قيامه بجولات مكوكية، إذ تعب في هذه الجولات أو الزيارات الست للمنطقة.
 
الوساطة صعبة جداً
وساطة كيري كانت صعبة إذ رفضت اسرائيل تجميد الاستيطان والاعتراف بحدود 4 حزيران 1967 كحدود للدولة الفلسطينية، ورفض الفلسطينيون الاعتراف بيهودية الدولة.
اقترح كيري خطة اقتصادية لتشجيع الاستثمار في السلطة الفلسطينية، أي أنه طرح "شبه مشروع اقتصادي" لتحقيق سلام اقتصادي يقوم على ابقاء الواقع على ما هو عليه وتحقيق انتعاش اقتصادي، وهدوء في المنطقة. وقد لاقى هذا الاقتراع ردود فعل متباينة، ولكن كيري بقي مصراً عليه.
حاول كيري اقناع الرئيس عباس بالذهاب الى المفاوضات من دون شرط وقف الاستيطان، وحسب ما اتفق عليه، فقد تم تأجيل موضوع تجميد الاستيطان الى ما بعد انطلاق المفاوضات، إذ أنه سيتم بصورة غير معلنة حتى لا يستفز القرار المستوطنين.. وقد ابدى الرئيس مرونة بذلك، ولكنه ركّز على ضرورة اعتراف اسرائيل بأن مرجعية حدود الدولة الفلسطينية هي حدود 4 حزيران 1967، لكن اسرائيل رفضت ذلك، وأصرت على بحث موضوع الحدود على طاولة المفاوضات ذاتها.
ونظراً لتمسك كل طرف بشروطه ومواقفه لم يستطع كيري احداث أي اختراق، حتى ان خطته الاقتصادية لم تساعد في ذلك، فلجأ الى وسيلة أخرى، وهي اقناع الطرفين ببدء مفاوضات تمهيدية في واشنطن وبرعاية وزير الخارجية كيري نفسه.
 
لماذا قبل الرئيس عباس
قبل الرئيس عباس باقتراح كيري لعدة اسباب ومن أهمها:-
·        لوقف الضغوطات الاميركية الممارسة على السلطة الوطنية والتي وصلت الى حد "التهديد" باتخاذ قرارات حاسمة ضد السلطة اذا لم يتم احراز أي تقدم بخصوص المفاوضات.
·        حتى لا يعطي الانطباع بأن السلطة الفلسطينية هي المعرقلة لاجراء مفاوضات.
·        لتشجيع كيري على التمسك بما يؤمن به شخصياً، وهو أن حدود 4 حزيران 1967 هي حدود الدولة الفلسطينية، وهي المرجعية، وهذا ما همس به كيري بأذن الرئيس عباس معبراً عن قناعته الشخصية بذلك في لقائهما في عمان.
·        اجراء مفاوضات تمهيدية لا يعني التنازل عن المواقف الأساسية الجوهرية.
·        احراز انجاز سياسي مهم وهو اطلاق سراح عدد كبير من الأسرى (لم يحدد العدد)، ولكن غالبيتهم من الأسرى الذين اعتقلوا قبل توقيع اتفاق مبادىء اوسلو في أيلول 1993، لأن كيري حصل على وعد من نتنياهو باطلاق سراح أسرى، ولكن حسب المعايير الأمنية الاسرائيلية، وبالتدريج وعلى مراحل، ولكن بعد العودة الى طاولة المفاوضات.
·        ابقاء دعم الدول المانحة المالي للسلطة مستمراً ومتواصلاً، لأن السلطة بحاجة الى هذا الدعم.
·        الاستفادة من خطة كيري الاقتصادية التي ستوفر دعماً بأربعة مليارات من الدولارات من الاستثمارات وتحسين ملامح الحياة والاقتصاد في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
 
اجتماع صاخب للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
عقدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اجتماعاً مطولاً يوم الخميس 18 تموز 2013 استمر لعدة ساعات. وقد كان الاجتماع صاخباً اذ طلب المجتمعون ضمانات اميركية اسرائيلية منفردة أو مجتمعة للاعتراف بأن حدود 4 حزيران 1967 هي المرجعية للتفاوض. وكذلك أصر المجتمعون على ضرورة الافراج عن جميع اسرى ما قبل اوسلو من دون تلكؤ وبدفعة واحدة، وليس على مراحل، وبضرورة تجميد الاستيطان خلال سير عملية التفاوض.
تم نقل الشروط الثلاثة الى كيري في عمان صباح الجمعة 19 تموز 2013 عبر صائب عريقات، فقرر كيري زيارة رام الله، وتشجيع الرئيس عباس على المضي قدما بما تم الاتفاق عليه معه في عمان. وقد قبل الرئيس عباس ذلك متجاوزاً الى حد ما وجهة نظر أو مواقف أعضاء اللجنة التنفيذية.
 
الاستفتاء عوضاً عن قرار اللجنة التنفيذية
تجاوز الرئيس عباس موقف اللجنة التنفيذية لاعتقاده بأنه من الضروري اعطاء فرصة لانطلاق المفاوضات، وكذلك عدم تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية الهروب منها. ولاعتقاده بأن المفاوضات التمهيدية لن تحقق انطلاقة جديدة، ولن يكون مصيرها سوى مصير المفاوضات التقريبية لوجهات النظر التي عقدت في عمان قبل حوالي العامين ولم تحقق شيئاً. ولادراكه وشعوره بالضغوطات الكبيرة الممارسة على السلطة، وخطورتها، ولذلك قرر أن يتحمل هو المسؤولية لذلك.
حدث تململ لدى أعضاء اللجنة التنفيذية، فرد على هذا التململ وعدم الرضى بالاعلان أنه سيجري استفتاءً شعبياً كاملاً حول أي اتفاق نهائي يتم التوصل اليه مع الجانب الاسرائيلي، أي أنه لن يحتاج الى موافقة اللجنة التنفيذية عليه، بل يحتاج الى اقرار كل الشعب الفلسطيني له باستفتاء شعبي واسع، والاعلان عن اجراء مثل هذا الاستفتاء مثّل تجاوزا للجنة التنفيذية التي لم تقر كاملاً ما توصل اليه الرئيس عباس مع كيري في عمان، ولا شك أن بعض اعضاء اللجنة التنفيذية قد يتراجعون عن معارضتهم للاتفاق مستقبلا، هذا ما يتوقعه كثيرون إذ أنهم يعارضون في البداية، ويسكتون خلال عملية التفاوض.
 
لماذا قبل نتنياهو باقتراح كيري
قبل نتنياهو باقتراح كيري باجراء مفاوضات تمهيدية في واشنطن بعد الحصول على ضمانات بألا تكون هناك شروط مسبقة. وان المفاوضات في واشنطن ستتركز على موضوع واحد كمقدمة لبقية المواضيع، وهو موضوع "الحدود"، وبعد ذلك سيتم الانتقال الى موضوع الامن.. أي أن التفاوض الاولي سيكون على مرحلتين: المرحلة الاولى حول الحدود، والمرحلة الثانية حول الامن.
ووافق نتنياهو على اجراء هذه المفاوضات لانه لا يريد اعطاء الانطباع بأنه ضد المفاوضات، بل انه يرحب بها دائماً ولكن من دون شروط مسبقة.
وعامل آخر شجعه على القبول بهذه المفاوضات هو أن مستشاره الخاص، موضع الثقة لديه اسحاق مولخو سيشارك فيها الى جانب ليفني، اي أن ليفني ستكون مقيدة اليدين، ولن تتخذ اي قرار من دون العودة الى نتنياهو نفسه. وكذلك اراد اختبار قوة ائتلافه، ومدى جدية زعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينيت في الانسحاب من الائتلاف الحكومي علما أن هذه المفاوضات الاولية – حسب اعتقاد نتنياهو – لن تحقق اختراقاً جدياً وكبيراً، بل ستبقى الامور على وضعها، وهذه المفاوضات هي تأكيد لتجميد الوضع وعدم تصعيد الامور للاشهر التسعة القادمة!
 
مرحلة تجميد لكل الاستفزازات
ما حققه كيري في جولته السادسة هو حصوله على وعد من القيادة الفلسطينية بعدم التوجه الى محكمة لاهاي ضد اسرائيل، ولا بالانضمام الى مؤسسات منظمة الأمم المتحدة، أي عدم استفزاز اسرائيل خلال الاشهر الستة أو التسعة القادمة، فترة اجراء هذه المفاوضات.
ومقابل ذلك حصل كيري على موافقة من نتنياهو على تنفيذ اجراءات حسن نوايا تجاه الفلسطينيين، ومن أهمها اطلاق سراح اسرى.. لم يحدد عددهم إذ أن هناك من يقول أنهم 350 أسيراً، وآخرون يقولون أنهم أقل من مائة… وسيتم الافراج عنهم على مراحل.
أي أن كيري حقق "هدنة" سياسية تستمر لعدة شهور، وبالتالي لن تكون هناك استفزازات من الطرف الفلسطيني على الساحة الدولية، وخاصة خلال عقد الأمم المتحدة دورتها السنوية في ايلول القادم.
 
امكانية نجاح المفاوضات
قد يتم تأجيل عقد هذه المفاوضات التمهيدية الى ما بعد عيد الفطر، أي الى أواسط شهر آب القادم بحجة الاعداد لهذه المفاوضات. وفي شهري أيلول وتشرين الاول القادمين هناك أعياد يهودية عديدة قد تؤجل أو تؤخر المفاوضات إذا كانت مستمرة.
سيتم بحث موضوع الحدود، وسيتمسك الاسرائيليون برسالة الضمانات الاميركية التي قدمها الرئيس بوش الابن لرئيس وزراء اسرائيل ارئيل شارون في نيسان عام 2004 التي تتضمن عدم العودة الى حدود 4 حزيران 1967، وعدم ازالة الاستيطان، وعدم تقسيم القدس، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين. أي ليفني ستقول في هذه المفاوضات نحن ملتزمون بشكل عام بحدود 4 حزيران 1967 ولكن مع تعديلات أو تبادل اراض، وستؤكد ان الجانب الفلسطيني قبل في مفاوضات كامب ديفيد بمبدأ تبادل اراض وكذلك في المفاوضات خلال فترة ولاية اولمرت، ولكن الخلاف كان حول نسبة تبادل الاراضي، إذ أن الاسرائيليين يريدون ان تكون 7,5 بالمائة في حين أن السلطة لن تقبل أكثر من 1,5 بالمائة.
وهذا يعني ان المفاوضات التمهيدية قد تكون شاقة جدا، ولن يتم التوصل الى اتفاق. وبالتالي قد يقنع كيري الجانبين بطرح موضوع الامن. وهذا الموضوع شائك أيضاً وليس معقدا كثيرا كما هو الحال مع موضوع الحدود.
قد تستمر المفاوضات لعدة شهور.. وخلال هذه المفاوضات سيسعى كيري الى ترتيب لقاءات ثنائية بين عباس ونتنياهو. ولتشجيع الفلسطينيين على المضي قدما في المفاوضات وعدم التخلي عنها، فإن الرئيس باراك اوباما سيوجه دعوة للرئيس عباس لزيارة واشنطن خلال الاشهر القادمة والاجتماع اليه، أي أن كيري سيبذل قصارى جهوده لاطالة أمد المفاوضات، وستمارس كل الجهود للتوصل ولو الى شبه اتفاق يتمثل في عدم اتخاذ اجراءات احادية الجانب ومواصلة التفاوض من دون ملل أو كلل الى ما لا نهاية، أي الى تحقيق اختراق ما.
 
شبكة امان ضعيفة
لا شك ان لجنة المتابعة العربية الوزارية النابعة عن الجامعة العربية اجتمعت الى كيري في عمان يوم 17 تموز 1967، وقبلت بآرائه وطروحاته، وهذا بحد ذاته شكل عامل ضغط آخر على السلطة الوطنية.
وأعلنت الجامعة العربية بعد اعلان كيري تواصل العملية التفاوضية في واشنطن، انها ستكون شبكة امان للجانب الفلسطيني، مع ان الجامعة نفسها ضعيفة، وهي بحاجة الى من يدعمها ويعزز أو يحيي دورها بعد ان تلاشى ولربما مات منذ فترة وجيزة.. شبكة الامان هي شبكة ضغط على الفلسطينيين، وليست امانا لهم، لأن الجامعة لن تحيد عن توجهات اميركا في منطقة الشرق الأوسط.
 
لا تفاؤل
ليس هناك تفاؤل سواء اكان كبيرا أو صغيراً في هذه المفاوضات لان المجتمع يعرف أنها تمت بوساطة وبضغوطات وباسلوب التهديد، لذلك فإنها لن تؤدي الى نجاح، وما هي الا لارضاء الادارة الاميركية، وعدم افشالها في مساعيها، ولاظهار انها ما زالت تمسك بزمام الامور مع أن هذا ليس صحيحاً.. اذ فلتت الامور، وتواجه مأزقاً كبيراً في المنطقة، وتحاول الخروج منه من خلال تحقيق انجازات ولو كنت وهمية أو صغيرة جدا جدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com