إقامة مستشفى ميداني وتقديم العلاج للمسلحين الجرحي.. دليل على تورط اسرائيل في المؤامرة على سورية

الأهداف المعلنة هي "إنسانية" ولكن الأهداف السرية هي سياسية وخطيرة
رغم تأكيد قادة اسرائيل باستمرار رفض التدخل في ما يجري داخل سورية، ورغم أن المواقف الاسرائيلية حيال الأحداث في سورية يسودها الغموض والتضارب في بعض الأحيان، إلا أن اقامة مستشفى ميداني في الجولان لمعالجة المصابين من المعارك، وغالبيتهم من "الجهاديين"، والقلة هم مدنيون عاديون، لهو خير دليل على تورط اسرائيل في المؤامرة التي تواجهها سورية منذ 15 آذار 2011. وكذلك، فإن التصريحات الاسرائيلية لمسؤولين في الحكومة الاسرائيلية، وتفضيل أي حكم ولو كان "جهادياً" عن حكم الأسد لدليل قاطع آخر على مشاركة اسرائيل بالفعل في المؤامرة. أما الدليل القاطع الآخر فيكمن في التحريض الاعلامي الاسرائيلي اليومي ضد الرئيس بشار الأسد، وضد الدولة السورية، اضافة الى الاعتداءات الاسرائيلية الاستفزازية بين فينة وأخرى على مواقع وأماكن داخل سورية من أجواء خارج الاجواء السورية.
المستشفى الميداني المقام على هضبة الجولان السوري المحتل الواقع داخل أحد معسكرات الجيش أقيم في أوائل شباط المنصرم، أي قبل حوالي تسعة شهور، وهذا المستشفى يقدم العلاج الأولي للمصابين، ومن ثم يتم نقلهم الى المستشفيات الاسرائيلية ذات الاختصاص بالاصابة للجريح!
معلومات عامة عن "العلاج" الاسرائيلي
حسب مصادر اسرائيلية عديدة تم علاج أكثر من 300 جريح سوري في مستشفيات اسرائيل، وثلثهم في مستشفى نهارية، والثلثان الآخران في مستشفيات صفد، وبوريا، ورمبام في حيفا، هؤلاء الجرحى يأتون الى بوابات خاصة يقوم الجيش الاسرائيلي باستقبالهم من خلالها. وهذه البوابات غير معروفة لكل السوريين سوى "للمقاتلين" وخاصة المعارضين والجهاديين. وغالبية الجرحى مصابون باصابات خطيرة في الرأس أو الصدر. وتتم معالجتهم بالمستشفيات تحت حراسة مشددة للجيش الاسرائيلي، حتى أن الطواقم الطبية ممنوعة من التحدث مع المصاب إلا فيما يتعلق باصابته ووضعه الصحي فقط. وممنوع أيضاً على وسائل الاعلام اجراء مقابلات معهم، أو تصوير هؤلاء المصابين، وما يكشف عن وضع هؤلاء الجرحى أو المصابين يأتي عن الناطق الرسمي باسم الجيش الاسرائيلي أو من تصريحات لقادة في تلك المنطقة.
وحسب ما قيل في وسائل الاعلام، أن الجيش الاسرائيلي يحول الجرحى إلى المستشفيات، ويتهرب من دفع أجور العلاج، وهذا بالطبع أدى الى وقوع خلاف مع الجيش الاسرائيلي حول من المسؤول عن تكاليف علاج هؤلاء المصابين في المعارك الجارية في سورية. وكذلك ذكر أن المعالجين ينتمي البعض منهم الى تنظيم القاعدة، وبعضهم جهاديون، أي ليسوا سوريين!
أهداف هذا "الكرم" الانساني الاسرائيلي
من ينظر إلى هذه الاجراءات الاسرائيلية بتقديم العلاج لمقاتلين جرحى في سورية سيظن أن هناك كرماً انسانياً كبيراً، وهذا يعني أن اسرائيل تكسب "دعاية" كبيرة لها في تقديم العلاج الصحي والمجاني لمصابين نتيجة الاقتتال في سورية. أي تريد اسرائيل اظهار وجهها الجميل للعالم، وكذلك "للمجاهدين" وبالتالي اقامة "علاقة" ودية معهم. أي أن الهدف الأول هو اعلامي لاظهار "انسانية" اسرائيل والتغطية عن اللاانسانيتها في تعاملها مع المقاومين والمدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني. وتجلى هذا الهدف عندما طبلت وزمّرت وسائل الاعلام الاسرائيلية عند استقبال اسرائيل لامرأة حامل على وشك الولادة، وقد وضعت طفلها الأول البكر في احد مستشفيات اسرائيل، وكان عنوان الحدث: "أول طفل سوري يولد في اسرائيل"، ومثل هذه الأخبار هي "مكسب" دعائي لاسرائيل.
أما الهدف الحقيقي يكمن في أن اسرائيل تريد اقامة علاقة مع "الجهاديين" سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة، وتحاول من خلالها جني الآتي.
- مواصلة تحريضهم على المضي قدما في تدمير سوية، لأن هذا الأمر هو لصالح اسرائيل على المدى البعيد، ولأن سورية ستحتاج الى فترة زمنية طويلة لكي تنهض من الدمار الذي ألحق بها نتيجة هذه المؤامرة الدولية عليها.
- الحصول على معلومات "دقيقة" عما يجري داخل الساحة السورية من معارك ومواجهات، إذ أن هؤلاء الجرحى يتم وضعهم تحت حراسة مشددة، ويمنع عنهم أية مقابلة صحفية إلا التي تريد تسريبها اسرائيل!
- الحصول على معلومات عن هؤلاء المقاتلين الجهاديين، كيف يقاتلون ومن أين جاءوا، وبماذا يفكرون، وما هي امكانياتهم والجهات التي تدعمهم بالمال والسلاح.
- العمل على "تجنيد" بعضهم مستقبلاً لخدمة اسرائيل في الحصول على معلومات وخاصة اذا انتقلوا الى مناطق أخرى من العالم.
- منحهم رسائل واضحة بأن اسرائيل لا "تعاديهم"، وتقدم العون لهم، فإذا سيطروا على الوضع في سورية، فتكون بوصلتهم ليست فلسطين، بل اتجاهات أخرى ولربما ايران، ولربما أيضاً أحداث فتنة دينية ومذهبية وادخال المنطقة في صدام دامٍ بين أهلي السنة والشيعة.
لا بدّ من وجود تنسيق مسبق
هؤلاء الجرحى يصلون الى اسرائيل والتساؤل كيف يتم ذلك؟ هل هناك اتصال أو تنسيق مسبق، وهل من المعقول ان مسلماً "جهادياً" يتجه الى اسرائيل للحصول على علاج من دون مقابل؟ يُقال ويُعلن أن هناك اسلاك شائكة والارض مزروعة بالالغام، ولماذا هناك أبواب لدخول هؤلاء المسلحين؟
هذا كله يعني أن اسرائيل على اتصال مع مجموعات ارهابية في سورية، وانها تنسق معها… ولو كان الأمر فعلاً عفوياً لوصل الى اسرائيل للعلاج أعداد أكبر من التي وصلت.. ولكن هناك انتقائية يسمح له بالدخول أو لا؟ وهذا بحد ذاته دليل آخر على تورط اسرائيل فيما يحدث في سورية ما دام يخدمها على المدى البعيد.
من هنا يمكن الاستنتاج ان اقامة المشفى الميداني في الجولان وتقديم العلاج لمصابين مسلحين ليس بالامر الانساني الصرف… بل هو تصرف مغلف بالانسانية ولكنه يحتوى على أهداف "سياسية" خطيرة جداً، وهذا ما ستثبته الأيام.