العوامل التي قللت من أهمية مؤتمر باريس الدولي

شهدت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الأحد الموافق 15 كانون الثاني لعام 2017 مؤتمراً دولياً ليوم واحد شارك فيه وزراء وكبار مسؤولي 70 دولة في العالم اضافة الى 5 منظمات دولية. وقد أكد هذا المؤتمر حل الدولتين مجدداً، ودعا بصورة واضحة للعودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، وأكد المجتمعون استعدادهم لدعم مسيرة السلام وأي اتفاق بمساعدات ومنح دولية عديدة هذا المؤتمر جاء مكملاً للقاء وزراء الخارجية يوم 3 حزيران 2016 المنصرم، وضمن ما أعلن سابقاً بأنها مبادرة فرنسية.

الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي لم يشاركا في المؤتمر لأنه لم توجه دعوة للمشاركة فيه، علماً أن اسرائيل عارضت عقده بكل ما اوتيت من قوة ونفوذ بالتعاون مع الادارة الاميركية.

اللافت أن بريطانيا وقفت موقفاً سلبياً تجاه المؤتمر، ويقال أنها لبّت نداء الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب الذي عارض عقده قبل توليه الرئاسة الاميركية، وذلك بهدف تحسين وتقوية العلاقات البريطانية الاميركية في عهد ترامب نفسه.

ترحيب فلسطيني

القيادة الفلسطينية رحبت بنتائج المؤتمر مع أن طموحاتها منه كانت أكبر من ذلك، واعتبرته نصراً للدبلوماسية الفلسطينية، وحاولت قدر المستطاع حشد أكبر عدد ممكن من الدول المشاركة فيه.

والأمور التي تعتبرها القيادة الفلسطينية انجازاً سياسياً من خلال عقد المؤتمر هي:

  • أن حل الدولتين تبنته أكثر من 70 دولة في العالم.
  • عادت القضية الفلسطينية لتظهر من جديد على الساحة الدولية رغم محاولة اسرائيل التعتيم عليها، وشطبها.
  • أحيت الدول المشاركة في المؤتمر قرارات الشرعية الدولية، وخاصة 242 و338 اللذين يدعوان الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي المحتلة في حزيران 1967.
  • حصلت القيادة الفلسطينية على دعم 70 دولة لنهجها التفاوضي، الذي تعارضه اسرائيل.
  • وجه المؤتمر رسالة واضحة الى الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب بأن المجتمع الدولي ضد أي اجراء احادي الجانب، وبصورة الغمز لرغبة أو تعهد ترامب في حملاته الانتخابية بنقل السفارة الاميركية الى القدس تعزيزا للاعتراف بأن القدس موحدة، وهي عاصمة اسرائيل، وهذا مخالف لقرارات الشرعية الدولية التي تعارض ضم القدس العربية لاسرائيل، وتعتبرها جزءاً من المناطق المحتلة في حرب حزيران 1967.

أسباب الترحيب الاسرائيلي

رحّب القادة الاسرائيليون بنتائج المؤتمر لان هذا المؤتمر لم يتخذ أي قرار بل أصدر بياناً هو مجرد حبر على ورق، هذا البيان يشجع على العودة الى طاولة المفاوضات، والى احياء “حل الدولتين”، الذين يتغنون به ويعيشون في اوهامه، لأن الوقائع على ارض الواقع لن تسمح بذلك، كذلك فان الظروف والمعطيات الدولية – وحسب التقييم الاسرائيلي – فهي لصالح اسرائيل بقدوم ترامب الى الحكم في اميركا ودعمه الكامل للسياسة الاسرائيلية.

وقادة اسرائيل مسرورون جدا لان الدول الاوروبية، وتجنباً لأي صدام سياسي مع الرئيس ترامب، لم تؤيد كل المطالب الفلسطينية، وحاولت ان تكون منصفة في بيان المؤتمر الختامي الذي لم يتعدى كونه مجرد حبر على ورق!

وكذلك فان وزير خارجية اميركا جون كيري أكد مجدداً وقوف اميركا ودعمها لاسرائيل. والبيان الختامي للمؤتمر أصّر على اتفاق يُحقق السلام في المنطقة والأمن لاسرائيل. وحصلت اسرائيل على وعد اميركي بعدم السماح بتقديم أي مشروع جديد لمجلس الامن يدين اسرائيل أو يمس أمنها، من خلال استخدام حق النقض الفيتو، ودعمت هذا الموقف الاميركي بريطانيا التي لم يشارك وزير خارجيتها في المؤتمر، اذ أرسلت وفداً صغيراً جدا لمراقبة الوضع ونتائج المؤتمر فقط!

عوامل ساهمت في مصادرة أهمية المؤتمر

لقد ظهرت وحصلت ووقعت العديد من الامور قبيل واثناء عقد المؤتمر، وهذه الامور تعتبر العوامل التي افرغت هذا المؤتمر من أهميته وفاعليته ومن أهمها ما يأتي:-

  • لَمْ يُشر البيان الختامي إلى دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967، بل يشير إلى قراري مجلس الأمن 242 و338، وهما متعلقان بالانسحاب الاسرائيلي “الغامض” من أراضٍ احتلت في حرب حزيران 1967.
  • لم يُدِن اسرائيل بسبب الاستيطان، بل اعتبره عائقاً للسلام.
  • دعا المؤتمر إلى حل الدولتين ضمن المفاوضات، أي أن المجتمع الدولي لن يفرض هذا الحل على الجانب الاسرائيلي الذي يرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة.
  • لارضاء المشاركين في المؤتمر من وزراء خارجية، فان البيان أخذ بالحسبان أو بالذكر المبادرة العربية للسلام، وكذلك مبادىء كيري الـ 6 التي أعلن عنها يوم 28/12/2016، اضافة الى توصيات اللجنة الرباعية للسلام.
  • بريطانيا لم تؤيد البيان، وذلك لعدم مشاركة الطرفين المعنيين بالسلام في هذا المؤتمر. وحضرت المؤتمر بصفة مراقب، وبوفد متدني المستوى.
  • أكد وزير خارجية اميركا جون كيري من خلال اتصال هاتفي مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وأثناء تواجده في باريس، أن اميركا لم ولن تدر ظهرها لاسرائيل، وان الفيتو الاميركي جاهز اذا قرر الفلسطينيون حمل أي بيان للمؤتمر الى مجلس الأمن الدولي.
  • قام مسؤولون اميركيون باجراء تعديلات على نص البيان الصادر ليكون “متوازناً”، لن يمس أو يجرح اسرائيل.
  • حضر وزير الخارجية الاميركي المؤتمر لوداع وزراء خارجية حوالي 70 دولة، أي أنه كان “حفل وداع” لكيري أكثر مما هو مؤتمر جاد!
  • وجّه الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب دعوة الى بريطانيا كي تستخدم حق النقض الفيتو ضد أي قرار معادٍ لاسرائيل قد يُقدم إلى مجلس الأمن، وهذه الدعوة بمثابة “اهانة” لادارة اوباما، وتعكس عمق الخلاف معها!
  • الادارة الاميركية الحالية برئاسة باراك اوباما راحلة بعد عدة أيام عن سدة الحكم، وهذا يعني ان الادارة الاميركية الجديدة برئاسة ترامب ستهمل هذا المؤتمر وبيانه. وان الرئيس الفرنسي هولاند ووزير خارجيته جان مارك ايرولت سيرحلان عن الحكم بعد عدة أشهر، أي ان المتابعة لقرارات أو لبيان هذا المؤتمر ستكون غائبة لأن ادارتين جديدتين ستحلان مكان الحاليتين الفرنسية والاميركية.
  • لم تشارك روسيا في هذا المؤتمر، بل هي استضافت مؤتمراً أو لقاء لقادة وأمناء وقادة الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية في موسكو في نفس اليوم (الأحد 15/1/2017) من خلال معهد الدراسات الشرقية التابع بصورة غير مباشرة الى وزارة الخارجية الروسية. ومن المتوقع أن يلتقي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بالمشاركين في هذا اللقاء التشاوري الذي يهدف الى انهاء الانقسام الفلسطيني، وتوحيد القوى والفصائل لأن في ذلك قوة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
  • ليست هناك آلية لتنفيذ أو تطبيق هذا البيان، لأنه مجرد بيان يدعو الى التفاوض.
  • يُعتبر المؤتمر تظاهرة سياسية عالمية لانقاذ “حل الدولتين”، اذ صرح الرئيس الفرنسي هولاند بأن هذا الحل في خطر كبير الآن.
  • أعلنت اسرائيل عدم التزامها بما صدر عن هذا المؤتمر، أي أنها لن تهتم به، أو تكترث له!
  • القوى الاسلامية الفلسطينية، مثل حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي”، لم تؤيد هذا المؤتمر لانه يدعم نهج التفاوض الفاشل في رأيها وتقييمها له.
  • دوائر عديدة قالت أن هذا المؤتمر سيشجع الرئيس محمود عباس على العودة الى طاولة المفاوضات متخذاً من بيانه، وقرار مجلس الأمن 2334، المبرر أو الجسر الذي يعود عبره إلى طاولة المفاوضات، علماً أن نتنياهو لا يريد التفاوض الآن، ولا يحترم هذه المرجعيات “الدولية” التي تعتمد القيادة الفلسطينية عليها للحصول على الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني.

التأثيرات الجانبية السلبية

رغم أن المؤتمر هو تظاهرة دولية مؤيدة لحل الدولتين، ورغم وقوف العديد من الدول ضد الاستيطان ولكن بصورة خجولة أحياناً، فان لهذا المؤتمر نتائج جانبية سلبية على المنطقة، وعلى الوضع والعلاقة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي نظراً لمواقف هذه الدول السبعين المتلونة والمتذبذبة التي أخذت بالحسبان عدم اثارة اسرائيل والادارة الاميركية. ومن هذه الاثار أو التأثيرات الجانبية.

  • تصاعد وتيرة الاستيطان، والاعلان عن مخططات لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية وبالآلاف؟
  • مناكفة لمطلب حل الدولتين، فان اليمين الذين يشارك في الائتلاف الحكومي يصعّد من اجراءاته ورفضه لهذا الحل. والبدء في وضع مخططات واقتراحات لاسقاط الحل منها اعطاء “حكم ذاتي” (أي ادارة مدنية) للفلسطينيين على 39 بالمائة من اراضي الضفة، وابقاء السيطرة الامنية على الضفة قائمة أبدية.
  • البطش بالفلسطينيين قدر المستطاع استغلالا لسياسة ترامب المؤيدة لاسرائيل.
  • العمل على توفير سلام اقتصادي وليس سلاما شاملا وعادلاً، وحسب الاملاءات والرغبات الاسرائيلية.
  • اتخاذ اجراءات ضد القيادة الفلسطينية لتوجهها الى الساحة الدولية بدلا من العودة الى طاولة المفاوضات الثنائية وهذه الاجراءات قيد الدراسة الآن.
  • تشويه صورة وسمعة القيادة الفلسطينية أمام الادارة الاميركية الجديدة وتحريضها على عدم لقاء الرئيس ترامب بالرئيس عباس.

تظاهرة سلمية لم ترفع يافطات جريئة

يمكن القول أن مؤتمر باريس كان تظاهرة سلمية لا تحمل يافطات صريحة وجريئة، تظاهرة تناشد الجانبين للعودة الى طاولة المفاوضات. وهذه التظاهرة من دون أي مفعول على ارض الواقع، بل بالعكس هذه التظاهرة خدمت اليمين الاسرائيلي، ولربما أساءت الى العلاقات الاميركية الفلسطينية في عهد ترامب.

ولكن رغم كل ذلك، فان هذه التظاهرة اكدت من جديد ضرورة العمل على تحقيق اتفاق لانهاء الاحتلال.. وهذا العمل قد يستغرق لسنوات نظراً لتعنت اسرائيل ووقوف اميركا الى جانبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com